السبت، 26 ديسمبر 2009

مقطع طويل من كتاب جميل...

" جيوميه" سأقول عنك بعض الكلمات (... ) كنت قد إختفيت منذ خمسين ساعة في الشتاء خلال طلعة في " ليز اند" وخلال خمس ايام اخذنا نفتش عنك بالطائرة عبر سلاسل الجبال دون ان نجد أثراً لك (...) كنا قد فقدنا الأمل وحتى المجرمين الذين يرتكبون جريمة لقاء خمس فرنكات رفضوا المغامرة على حافة الجبال (...) كانوا يقولون لنا " ليزاند في الشتاء لا تعيد الرجال ..." " إنه الشتاء وحتى لو تغلب زميلكم على سقوطه بالطائرة لن يتغلب على الليل ، فالليل هناك عندما يمر على الانسان يحوله الى ثلج"
أخيراً وخلال اليوم السابع لاختفائك وبينما كنت أتناول فطور بين طلعتين بمطعم في مندوزا دفع رجل ما الباب صائحاً بهذا القليل "جيوميه ... حي! "
وتعانق كل الغرباء الذين كانوا بالمطعم (...)
بعدها بأربعين دقيقة هبطت على حافة طريق وقد تعرفت على السيارة التي تقلك وكان لقاءً جميلاً ، كنا بنكي ونعتصرك في أحضاننا ... حي!!
وهنا نطقت عبارتك الأولى المفهومة ، ويا لها من عبارة فخر وكبرياء " أقسم لك إن ما فعلته لم يكن أي حيوان ليفعله " (...)
كنت تقاوم الوساوس " في الثلج يفقد الانسان أي غريزة للبقاء فبعد ثلاثة او أربع أيام من المشي لا يتمنى المرء سوى النوم وكنت أتمناه ولكن كنت أقول لنفسي : " لو ان زوجتي تعتقد أنني حي وتعتقد أنني أمشي ، لو أن ارفاق يعتقدون أنني أمشي وكلهم يثقون بي ، فسأكون وغداً اذا لم أمشي ..."
وصرحت لي بهذا السر " منذ اليوم الاول كان همي الاكبر هو منع نفسي من التفكير كنت أعاني وكان وضعي ميئوسا منه ولكي أمتلك الشجاعة للأستمرار كان علي ألا التفت اليه للأسف كنت لا استطيع السيطرة على مخي ... ولكن كنت أستطيع اختيار الصور له ... كنت اركز على فيلم او كتاب ، وكان الفيلم أو الكتاب يمر داخلي بمنتهى السرعة، ثم يعود بي الى وضعي الراهن فكنت اعاود القذف به في ذكريات اخرى ..."
"إن ما ينقذ هو أن تقوم بخطوة ثم بخطوة اخرى إنها دائما نفس الخطوة التي نعيدها..."
"أقسم لك أن ما فعلته لم يكن اي حيوان ليفعله" هذه الجملة الاكثر نبلا بين كل ما أعرف من جمل ، هذه الجملة التي تضع الانسان في الموضع الذي يليق به وتكرمه وتقيم الطبقات الحقيقية ... تعود إلى ذاكرتي
جيوميه يعرف ان ما ان يصبح المرء في الخطر حتى يتوقف عن الخوف، المجهول فقط هو ما يرعب البشر ولكن ما أن يواجهوه لا يصبح مجهولاً.
أما عن عظمة جيوميه فهي شعوره انه مسئول ، مسئول عن نفسه، عن البريد ، وعن الرفاق الذين يأملون ، فبين يديه ألمهم وبهجتهم ، مسئول عن الجديد الذي يبنى هناك لدى الاحياء والذي يجب عليه الاشتراك به...
مسئول عن قدر البشر في حدود عمله ....وان نكون بشر هو أن نكون تحديداً مسئولين ...
يريدون الخلط بين هؤلاء وبين هؤلاء اللاعبين ، فنثني على احتقارهم للموت، ولكني أسخر من إحتقار الموت، اذا لم يستمد جذوره من مسئولية مقبولة فإنه لا يكون سوى علامة على الإفلاس أو مغالاة الشباب...
ترجمة بتصرف بيسط عن
"أرض البشر"
Terre des hommes
Antoine de Saint-Exupéry
1939

هناك تعليقان (2):

mohra يقول...

عميق للغايه
من اين تجدى هذه الكتب؟؟
لعلها الثقافه الفرنسيه البعيده عنى للاسف

Zianour يقول...

يا بنتي بعيدة ليه بس
في اي مكتبة كبيرة اكيد هتلاقي مؤلفات الكاتب الجميل ده

لازمن تقري له ارض البشر والامير الصغير بس مش ترجمة المترجم المغربي ولا الجزائري دي ترجمته الجريمة الكاملة في حق النص الفريد ده

انطوان دي سانت اكزوبري هتعجبك افكاره وكمان حياته كلها مغامرات

كل سنة وانتي طيبة يا جميلة