الخميس، 7 فبراير 2008

دقية محشي

العلاقة بيني وبين المحشي علاقة أحب ان اصفها بالوطيدة والقوية ليس على مستوى الصنع بقدر ما هي على مستوى “البلع” ، ذلك انني استقبله مرة على الاقل اسبوعياً من طرف الست حماتي التي تحضره كما تحضر البيض المسلوق عادي جدا!!!وهذا ما اطلق عليه الاختلاف الحضاري بين البشر فعندنا- أي في بيت ابي- المحشي ده حاجة عزيزة ولا تأتي إلا في المناسبات ويلزمه تحضير قبلها بعدة ايام يتبعه ندم بعدها بعدة ايام برضه لأنه يتمسح في ثواني معدودة فنحن لا نستغرق الوقت الكافي للاستيعاب ان امامنا محششششششششششييييييييي !!والمحشي مصحوب بالقوة بما لذ وطاب من “الانيملز”!!المهم… انا لا اذكر انني عملت المحشي الا مرة واحدة في تاريخ زواجي الذي يشرف على السنة السادسة. كان نور وقتها صغيراً واضطررت للاستعانة بصديق في مجالسته كي انتهي من الحشو والتسبيكة الخ الخ محشي بقى!!! والحق انه كان منوعاً اشي كوسة على باذنجان على مش فاكرةايه، دا تاريخ، الا انني اذكر جيداً طبعاً انه كان اكبر فشل في حياتي ومنظر المحشي اللي كان في ناحية والارز في ناحيه تانية جعلني اتيقن انه لا امل لي مع عمل المحشي وان المحشي له ناسه اللي فاهمين فيه وانه يكفيني استيراده من حماتي العزيزة اكثر الله من محاشيهاوانا لا اعرف على وجه الدقة ما الذي دفعني دفعاًً لعمل محشي للمرة الثانية خلال ست سنوات!! ذلك انه ظل من هواجسي الطويلة الامد ومن الاعمال المؤجلة على الدوام لضيق ذات الوقت ولسوابقي فيه. ولكن الدنيا برد والبرد يحب الساخن من المحشي المصحوب باللحم المنقوع في الصلصة المسبكة او الفراخ الذائبة في حرارة صينية في الفرن !! لكل هذه الاسباب غير المنطقية غامرت وتوكلت على الله ونويت ان اعمل دقية محشي !!!واستيقظت في الثامنه صباحاً وقلت لزوجي الداخل للنوم بعد ليلة عمل طويله انني ذاهبة للسوق، فقال من وسط التثاؤب “خير ان شاء الله؟؟!” قلت ابداً شأشتري خس. ولا يعلى على محشي الخس ولا كرنب ولا ورق عنب ولا ديولو هو ورق الخس!!في السوق الذي لا يبعد الا بخطوات من بيتي لم اجد البائعين الساعة كانت تمانية والبهوات لسه مجوش وتقولوا بطالة!! المهم اشتريت الخس ابو ورق اخضر وجميل بجنيه وطماطم حمراء جدابجنيه وربع وخضرة محشي بربع جنيه وفي طريق العودة كنت افكر تفكيرا عميقاً في البصل والثوم والكمون اللي هاطحنه( الكمون تشتريه وتطحنيه في البيت افضل ورائحته اقوى) والشطة والتسبيكة اللي لن اضيف لها كل ما سبق الا بعدما تسبك جيدا –علشان الرحة تضرب في العمارة!!- والورق مش هيتسلق اكبر غلط سلق ورق الخس لان به زيوت طبيعبة تعطي لذاذة للاكل، وبالمرة ااقور الكوستين اللي في التلاجة والفلفل الاخضر كفاية كده دي دقية مش اكتر!!!! المهم وضع بصل وخضرة وطماطم وعود ثوم اخضر في قاع الحلة ، يا سلام والله انا شامة الريحة من هنا!!!وصلت للبيت على اطراف اصابعي اولاً دي مفاجاة للجميع بما فيهم زيزو اللي بيقدر المحشي عظيم التقدير ثانياً ودا المهم انه برضه زيزو لو صحى يبقى دي نهاية المحشيي!! عملت كل اللي فكرت فيه وحلمت بيه قطعت الورق غسلته وفي ثواني جردت الكوسة وقورتها وقطعت البصل وفرمت الطماطم وعملت التسبيكة ، طحنت الكمون يا سلام على ريحته وغسلت الرز وصفيته كويس وطفيت على التقلية واضفت كل البهارات والخضرة المتقطعة ثم الرز!ايه الريحة دي، ذودت شوية بهارات تانية كمون على شطة يلا خلي الشعب يهيص!! حاجة سهلة.. ايه دا امال بيقولوا المحشي صعب ليه؟! ولعت على اللحمة تستوي وبدات الهواجس تهاجمني طيب لو الرز خلص هبقى اعمل صلصة تاني ، طيب لو الخس فشل ، طردت سريعاً هواجسي وتخيلت منظر الجميع وهم يهنأوني على المفاجأة وبدات المحشي على الواقف ملأت الكوسة ثم الفلفل ورصيت في الحلة ثم بدات في ورق الخس واترص اترص يا ورق الخس ، إلا انني ادركت سريعا انه توجد ما يشبه المطبات في الحلة ذلك ان الكوسة والفلفل متفاوتي الحجم والطول صنعوا ما يشبه الاخاديد العميقة والواسعة التي لا يمكن تجاوزها . هنا بقى قعدت على الارض واخذت الجميع على رجلي الحلة والورق والرز وبدات في رأب الصدع بين اطراف الحلة وكان منظراً عجيباً لا يمت للنظام المفترض في دقية المحشي التي تنتظم مكوناتها في ما يطلق عليه “سطور” فيقال سطر خس وسطر كرنب وهكذا لكن ما باليد حيلة ، اخدت الكوسة والفلفل في الاختفاء التدريجي ليظهر الخس اخيراً بس ايه مفيش صابعين شكل بعض ، يعني ممكن القول انها كانت خناقة بين اصابع المحشي وكان المتخانقون متفاوتي الطول والاحجام . طب وبعدين؟؟ ما هو لازم ان وش الدقية يكون متساوي علشان السوى!وبرقت في راسي طريقة الحجاب في الحشو وهو طريقة سهلة بدل ما نعمل صوابع نعمل مثلثات تطلق عليها حماتي احجبة، بس دي الحلة تقريبا خلصت وبعدين القلق اشتغل لان زيزو ممكن يصحى في أي لحظة تروق له وفي هذه اللحظة بالذات لقيت نور امامي عينيه نصف مغلقة “ماما بتعملي ايه” ” بعمل محشي يا حبيبي” ” هو دا؟” ” موش باين ولا ايه؟؟!!” واستغرقت في التفكير ذلك انني لم افلح في لف الاحجبة او نسيت طريقتها، وهنا حلى لنور اللعب في المياة العكرة: “ماما؟” “نعم يا حبيبي” ” هو انا هافضل كده ما اعملش حاجة؟؟!” وطبعا كنت اعرف انه يلمح للتلفزيون اللي لحس عقله خلاص ” يعني عايز ايه” ” بابا اتفق معايا ان التلفزيون الصبح لي وبالليل له” وفعلاً دي كانت اخر صيغة للتعايش اتمضت منهما على اساس تقسيم الانتفاع من التلفزيون ” تلفزيون ع الصبح كده دول لسه نايمين” ” ازاي؟” اه جبته لنفسي ” دول لسه بيفطروا وانت كمان لازم تفطر” وانهمكت في عمل ساندويتش له وفي التفكير والتوتر زيزو الوحش قادم نهاية المحشي تقوض الحلم!!!! ” ماما” “ايوة؟” “تعرفي انا بحب فيكي اكتر حاجة ايه؟؟” “!!!!!!!! اندهاش عميق وجودي عبثي” “ايه؟!” “ضحكتك يا ماما يا حبيبتي” “شكراً يا حبيبي بس اتكلم ببشويش علشان زيزو ما يصحاش” ولا كاني اتكلم معه ” ايه الكلمة اللي بتضحكك يا ماما؟؟!” لا امل في المقاومة ” اللي بيضحكني كلمة زغازيغ – يعني زغزغة- ” فقال “زغازيغ زغازيغ” وطبعاً ضحكت جداً فقال ايوه انا باحب ضحكتك دي، هما النينجا فطروا ولا لسه؟” “نور روح افتح التلفزيون يا حبيبي” نرجع للمحشي، كان شكله النهائي عجيباً في غاية الهرجلة والفوضى، بس صبرت نفسي وقلت المهم السوي، ولكي احكم الدقيه قمت وضعت طبق على وش الحلة علشان الاحكام. وضعت الشربة وتوكلت على الله وولعت على المحشيييييييييي!! يا سلام على الريحة وبالمرة وضعت اللحمة المسلوقة في صلصلة على نار هادية، فلتصحو يا زيزو كما يحلو لك وكأنه سمع النداء سمعت “هئء هىء” وطرت اليه واخذت امنيه بالمحشي القادم ، شوية وانا بابص كده لقيت غطاء الحلة تقريباً هيطير من فعل قوة تدفعه للطيران بعيداً عن الحلة كشفت الحلة فاذا بي امام ما يشبه المعركة بعد نهايتها رز في ناحية والورق في ناحية تانية والطبق المسكين موش باين ، ولا اتهزت شعرة في رأسي كتمت الغطاء على الحلة وهتستوي هتستوي وهتكون محشي ولا في الاحلام!!!! ووقفت زي اللي مستنية نهاية ولادة متعسرة هي متعسرة بس هتولد!!! وبعدين ايه الميه دي اللي طلعت منه يالهي!!! بس اللي صبرني الريحة والله وحسيت انه لا بد لليل ان ينجلي! فين وفين لما الميه نشفت هديت عليه وانا ادعو الله الا يخذلني لعدة اسباب : اولا الاستثمار الذي وضعته في دقية المحشي ثانياً لا طعام اخر بالبيت يداوي المغامرة ثالثاً الفضيحة ، ربة منزل تفشل للمرة الثانية في 6 سنوات في صنع دقية محشي، وبدات الصور المزعجة تتداعى و….. وقطعت عرق وسيحت دم كشفت الحلة الريحة خطيرة والكمون عامل شغل، وشلت اثار العدوان الرز والخس القتلى وشلت الطبق هنا شعرت بالفخر ها هي اصابع واحجبة المحش او ما يشبه كاملة جاهزة للاكيلة!!!! ووجدت زوجي العزيز المستيقظ حالاً ينظر للحلة في تعجب ودهشة من يحلم “ايه دا” “محشي!!” لا تعليق !!!المحشي خلص اللحمة شربت الصلصة، يللا ناكل يا ولاد لقمة سخنة دا انا عاملة لكم محشششششي !!! وتراءى لزوجي ان هذا الحدث الجلل يجب ان نشارك فيه اكبر عدد ممكن من البشر ، فاتصل بحماتي التي نزلت من التاسع للسابع وهي لا تعلم ما ينتظرها!! ايه دا انتوا عاملين محشي – قالتها على سبيل الدعابة!! -اه -بجد انتي يا ام نور عملتي محشي (لسان حالها انت يا ست يا كاملة يطلع منك كل دا؟؟!!) وغرفت المحشي كان كل حاجة فيه جميلة حقيقي يعني بس هو اللف اللف لم يكن كما يجب فكان هناك الكثير من الرز المفروط بس والله طعمه خرافة خرافة!!! والله وعملوها الرجالة وعملنا المحشي !!!انا بافكر بقى اجرب اعمل بمبار!!!

الأحد، 3 فبراير 2008

برررررررررررررررررررد!!

البرد يحاصرنا من كل اتجاه يجبرنا على الانكماش داخل الاغطية والبحث عن الدفء داخل التفاصيل المحيطة : النور الاصفر ، ضحكة صافية، كوب كاكاو باللبن
، نوراباجورة جانبية مضاءة طوال الليل،حكاية عن العفاريت، مدفأة
البرد يجبرنا على اتخاذ ايقاعه المجنون، نهرول الى البيت ، طامعين في وجبة ساخنة ووجه أليف يحنو علينا، وحده المغامر من يفرض إيقاعه على البرد الطاغي واللاسع...
البرد يحجب الشمس من الصعود على كرسي عرشها اليومي و يكمشها خلف الغيوم فتبدو مكفهرة كوجه من الثلج الباكي!!
البرد يغير من تفاصيل الاماكن تصبح أكبر مساحة ..فضاء لامتناهي .. نقطع فيها المسافات بصعوبة تصبح رطبة ، اقل حميمية ، تطردنا وتلقي بنا!!
وحدها الشوارع تكون لنا ،فارغة، واسعة ، قريبة تحتضنا وتفتح لنا براحها وتمنحنا دفء لا يظهر الا في جنون البرد وطغيانه…